آي.. مات!

لم تمضِ سوى دقائق قليلة على إعلان خبر وفاة ستيف جوبس حتى اشتعلت الشبكة برسائل حزن، ورثاء، ورحمة. ستيف جوبس لم يخترع فعلياً أي شيء، كل ما قام به هو إعادة قولبة ما كان موجود أصلاً: الحاسوب، المحمول، مشغل الأغاني (إذا كان هذا هو تعريب الـ إم بي ثري بلاير) . لكن إعادة القولبة هذه كانت كل ما يحتاجه المستهلك.  فجوبس انطلق من رؤيته الخاصة لعالم التكنولوجيا، من ما رآه هو كعيوب، رافضاً كافة دراسات السوق التي تحكم المصنعين، فلطالما آمن أنه يعرف ما يريده المستهلك أكثر من أي دراسة تستند على عيّنات من البشر منتقين بعناية فائقة "عالطبلية".

 

إطلاق منتجاته كانت دوماً تشبه نوعاً من الطقوس الدينية، في مزيج من الخوشبوشية والهيبة في الوقت نفسه. قلة فقط يملكون القدرة على التحكم بهكذا مزيج.  لكن جوبس انطلق من مبدأ إنساني بسيط. من ال "آي" أو بالعربية الأنا.  لا أعرف إذا كان متأثراً بفرويد وبنظرية الأنا الفوقية والتحتية والوعي و اللا وعي. ربما اختارها من باب أنه يريد ان يجعل منتج الآبل الذي يريد طرحه حاجة أساسية من مثل الأكل والشرب، وحاجة فردية في الوقت نفسه تبدأ من الشخص وتنتهي بالفعل:

I eat, I drink, I sleep, I live, I mac / Ipod / Iphone

 

أساس الفكرة ليس المهم، المهم نجاحها. ونجاح ستيف جوبس أبعد من المبيعات. فهذه الصرعة التي ولدت على الانترنت منذ خبر وفاته تظهر أنه استطاع خلق نوع من الألفة بينه و بين مستخدمي منتجاته، وأعتقد أنه أوّل من نجح بخلق هذا الرابط في العالم الاستهلاكي. فلا تربط أحد علاقة ودية ببيل غايتس علماً أن نظام الويندوز هو الأكثر استخداماً. ربما لأن بيل غايتس لا يوافق على رسائلك البريدية كما يوافق ستيف جوبس. كما لو أنه الأب الراعي يوافق على كل ما ترسله عبر منتجاته، ويربت على كتفك ويساندك في ما تريد قوله فقط لأنك قررت أن تثق بمنتجاته، قرر هو أن يثق بك.

 

وعن الأب الراعي كثرت التعليقات على تويتر والفايسبوك. من أبرز ما علق في ذاكرتي:

"هذه أول مرّة أتأثر لموت شخص لم أعرفه شخصيا"

"إلى الرجل الذي علمنا أن نفكر بطريقة مختلفة (شعار ستيف جوبس كان: فكر بطريقة مختلفة) نعتذر فاليوم أفكارنا مطابقة :  أرقد بسلام ستيف جوبس"

" ثلاث تفاحات غيّرت العالم: تفاحة حواء وتفاحة نيوتن وتفاحة ستيف جوبس"

 

لا أدري إلى أي مدى غيّر ستيف جوبس العالم، لكن من الأكيد أنه غيّر طريقة استهلاك الموسيقى ، على سبيل المثال، فقد نجح عبر الآي تيونز في زيادة نسبة بيع المقطوعات الموسيقية على الانترنت، عوضاً عن قرصنتها. بفضل سعر المقطوعة، ونوعيتها، وسهولة إيجادها، فضل العديد التخلي عن مجانية القرصنة لشراء الموسيقى منجديد وإن كانت محصورة بالآي تيونز. الآي فون أيضاً غيّر عالم الهواتف المحمولة، حتى الذكية منها، فبات المحمول أكثر من هاتف، بات موسوعة ولعبة وصديق وحيوان أليف، بحسب التطبيقات التي تختارها. وغيرها من المنتجات التي باتت جزءاً من يومياتنا، من الآي بود إلى الآي ماك والآي باد. 

 

فأتت الأربعاء "آي الموت" لإتمام مسيرة جوبس.

 

شأني كشأن الكثيرين اليوم: آي ساد.

Tags for all blogs :
Comments or opinions expressed on this blog are those of the individual contributors only, and do not necessarily represent the views of FRANCE 24. The content on this blog is provided on an "as-is" basis. FRANCE 24 is not liable for any damages whatsoever arising out of the content or use of this blog.
7 Comments
كنت أجول في مدونة روعة لأتعلم و أقرأ و أمحص و أعتق بعض الأفكار. الجميل في المدونة تنوع المواضيع و جرأتها.جرأة في التعامل مع مواضيع التابو و المناطق الشائكة و المليئة بحقول الألغام(البارحة ٤ أبريل اليوم العالمي لمكافحة الألغام). جرأة لا أمتلكهما و لا أتفق مع كثير من جوانبها لكني قطعاً أحترمها لأنها تبرز إعلامية حقيقية مثقفة و جريئة. لفت انتباهي في هذا الموضوع كثرة التعليقات مقارنة بسواه. أمر لا أستغربه باعتبار العنوان (أي مات). الموت ذالك الرابض بين الحنايا و الثنايا و الدقائق.الموت يخيفينا جداً ، يرعبنا جداً، يبلعنا كثقب أسود مجنون قد أفلت من عقاله. خوفنا من عالم الموت الغامض يكون دائماً بمحاولة استعادة الميت و بالذات إذا كان من أهل الشهرة و الأضواء في فترة من فترات حياته. كم سمعنا عن مشاهير طوتهم الأخبار سنوات قبل أن يعودوا خبراً أولاً عند وفاتهم. كم مشاهير تضاعفت مبيعات منتجاتهم على اختلاف مشاربها عشرات المرات عندما يموتون و لنا في دواويين نزار قباني و أعما مايكل جاكسون خير دليل. ما المزادات العلنية لرسالة كتبها فلان أو قبعة اعتمرتها فلانة و التي تسكب لأجلها الثروات إلا رد فعلنا كبشر على الموت. نحاول أن نبرهن للموت أنه تبقى شيء من فريسته في حنايانا. أسلوب رد من هواة مساكين(نحن) على محترف محنك. كأننا اليوم عندما نعلق نحاول أن تسرق شيئاً من متعة الموت لالتهام ستيف جوبز و من جانب أعمق نعزي أنفسنا بأنه عندما نرحل نحن أو نُلتهم سيكون هناك من يسرق شيئاً من متعة الموت. أذكر هنا مقالة رائعة كتبها عزيز نيسين عن الموت و أذكر قول الشاعر كل ابن أنثى و إن طالت إقامته. يومًا على آلة حدباء محمول
يبدو لى و الله اعلم ان الثورات العربية ان هى كذلك انما هى بفعل فاعل ... رحيل زين العابدين و من بعده مبارك و القذافى ...و القائمة مفتوحة لمزيد من التطورات العربية بطلها الشعب و الضحايا الرؤساء و من يدرى ربما تمس حتى الملوك و حاشيتهم الغريب فى الامر ان الغرب هو من يحرك و يدعم هذه الثورات ... الم يكن زين العابدين عميلا للغرب و لاسرائل ... الم يكن مبارك حامي اسرلئيل بصدقات امركية .. الم يهرول القذافى الى نزع كل مظاهر التسلح لمجرد سقوط صدام و صرح حتى بسكاسين المطبخ الموجودة لديه .... بالرغم من ذلك وقف الغرب ضد هؤلاء العملاء اليس امرا عجيبا و غريبا بعض الشئ.
اسمح لي أن أختلف معك، فالمطاعم السريعة تقدم منتج يحاكي غريزة الإنسان الأساسية وهي الأكل، ولذلك أرى أن مقاربتها للمستهلك تختلف عن مقاربة ستيف جوبس، ولذلك لا يمكنني سوى ذكر مؤسس ماكدونالدز، ولكن غالبية الناس لن تستطيع أن تذكر أي اسم كما تفضّلت وقلت. وهنا يكمن الفرق مع ستيف جوبس، فهو بحاجة لإقناع المستهلك بأن النوعية التي يطرحها له تستحق سعرها، ولكن النوعية لا تقنع دائماً المستهلك، السعر يلعب دوراً أكبر، ولذلك كان يتوجب إظهار المنتج آبل كالمنتج الذي يغيّر حياتك، الذي يشاركك حياتك، والذي يحسّن حياتك. القصة ليست قصة تضليل، فشركة نوكيا تمكنت في التسعينات من نشر الهواتف الخلوية وإقناع المستهلك أن الهاتف الخلوي هو حاجة أساسية وليس كماليات، ونجحت.. ستيف جوبز اتبع نفس الاستراتيجية..
نفس الكلام يمكن قوله عن القائمين على شبكات مطاعم الوجبات السريعة خاصة ان ارباح هذه الشركات وجمهورها تفوق بكثير ارباح وجمهور الماك (سيتف جوبس). لكني اشك ان تكوني تعرفين اسم واحد منهم! المعيار هنا ليس القدرة على تضليل الزبون انما القيمة المضافة للخدمة/السلعة!
أعتقد أن التعاطف الزائد مع ستيف جوبس هو نتيجة ذكائه المهني.. فهو جعل من نفسه جزءاً من منتجاته.. فمثلاً من ضمن التوقيعات التي تقترحها منتجاته للرسائل الإلكترونية توقيع "ستيف جوبس يوافق على مضمون هذه الرسالة".. معظم مستخدمي هذا التوقيع اختاروه لأنهم وجدوه مضحكاً، لكن تأثيره على اللاوعي الإنساني كبير. فهو توقيع يغرز بالمستخدم شعور بأن ستيف جوبس شخصياً له ثقة عمياء بكل ما ستقوله ويدعمك في كل ما تقوله.. قد تبدو مبالغة، ولكن هذا هو الهدف من معظم تقنيات تسويق ابل، خلق رابط شخصي بين الشركة والمستخدم، ستيف جوبس اكتشف أن الوفاء لماركات معينة لا يوازي الوفاء الشخصي لإنسان، ولذلك استخدم شخصه لخلق هذا الرابط.. لأنه لولا هذا الرابط لما اشترى أحد منتجاته لأنك كما قلت ثمنها أكثر ارتفاعاً وكلفة تطبيقاتها أعلى.. جعل من منتجات دائرة مغلقة، كي يشعر المستهلك بامتياز الانتماء إليها.. أظن أن نجاح تقنياته التسويقية في السيطرة على لا وعي المستهلك هي التي أدت إلى هذا التأثير الكبير.. وأنا حزنت لخسارة رجل أعمال مثله يعرف فعلياً من هو جمهوره وكيف يخاطبه..
لسا مش قادر افهم سر تعاطف الناس الزائد مع حدث وفاة جوبس! عدى عن استغرابي الدائم من التقدير المفاجئ لاي شخص يموت حيث يكون تقدير العالم لاي بني ادم عند وفاته، مع انو الموت مش انجاز يعني. بس ستيف جوب ساهم في تعزيز سياسة البرمجيات المغلقة (غير مفتوحة المصدر) الاشي الي بداي الي استغلال المستخدم. بالنهاية سيتف جوبس رجل اعمال، "ابداعة" و"انجازه" لا يتجاوز رجال الاعمال الذي "يبدعون" و"ينجزون" في اي مجال اخر مثل البترول لكن لا احد يابه عندما يموت احدهم!
قد يكون من سخرية القدر أو من مساوئ أو محاسن الصدف، لاأدري، مع أنني شخصيا لا أومن بالصدفة أن تكون اللحظات الأخيرة التي عاشها ستيف وهو يصارع مصير الشخص لحظات استمرارية احتفالية عروض المنتج على النمظ الستيفي شكلا ودونه أداء ومضمونا. وفي هذه المفارقة أصدق تعبير عن ما يجب أن تكون عليه نظرتنا كبشر للدنيا من المنظور الديني: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لأخراك كأنك تموت غدا" استيف عمل لدنياه بنية البقاء والخلود وشهدنا له بذلك وأملنا أن يكون عمل لأخراه بما يفيد منقلبه وإن لم يكن قد فعل فنتوسل إلى الله بما خبرنا عنه من الرحمة واتساع المغفرة أن يتجاوز عن كل ما من شأنه أن يضيق عليه منقلبه.

Post new comment

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.
  • No HTML tags allowed

More information about formatting options

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.