الثورة والعصا السحرية

"إنهم يسرقون منّا ثورتنا" هذا ما قالته إحدى التونسيات تعليقاً على فوز حركة النهضة الإسلامي في الانتخابات. بشكل عام ردود فعل معارضي "أسلمة" الدول العربية ما بعد الربيع العربي، كانت مزيج من خيبات الأمل، مع الحسرة أحياناً على النظام الدكتاتوري السابق فالراية الخضراء تثير الخوف إذ تمثل للعلمانيين العودة قرون إلى الوراء.

 

التطمينات تأتي بضرب مثال تركيا، المثال الأعلى للتيارات الإسلامية حالياً كدولة تمكنت من مزج الإسلام بالعلمنة ونجحت عبر هذا المزيج بإثبات وجودها كدولة قوية على الساحة الدولية. متناسين أن في تركيا ما زال حكم الجنرالات موجود، وإن كان إردوغان يحاول التملص منه. وأن المافيا التركيا تعد من أكبر المافيات في العالم، ما يجعل احتمال تدخلها على الساحة التركية وارد جداً. لكن، "لكل نظام شوائبه، والحمد لله في الدول العربية لا يوجد مافيا، فبالتالي سنكون أحسن من تركيا في مزج الإسلام بالعلمنة"، قال أحدهم في إحدى المحادثات على الانترنت.

 

وبالحديث عن الانترنت، في زحمة المستجدات والأخبار والتحليلات، يبدو لي أن البعض نسي أن "ثورجية الانترنت" لا يعبّرون فعلياً عن كافة المجتمع. والسبب حسابي، يشبه قاعدة 1+1. فمستخدمو الانترنت في العالم تتفاوت نسبتهم مناطقياً بحسب توفر الطاقة والكهرباء والانترنت والبيئة التي تحفّز على استخدام الانترنت إذا توفر. لذلك فاستخدام الانترنت مركّز في المدن ويقلّ نسبياً كلّما توجهنا إلى الأرياف. مستخدمو الانترنت بغالبيتهم من الشباب، ابتداءً من الخامسة عشر عاماً. وبما أن المجتمعات العربية فتية بغالبيتها، يمكننا أن نقدر أن نسبة كبيرة من "الانترنتجية" هم دون الثامنة عشر عاماً. أي أنهم، إذا صدف وأنهم تحمّسوا للمشاركة بالثورات فإنهم لا يصوتون. وبالتالي، لنفترض أنه في أحسن الحالات، فإنّ غالبية من تبقّى من مستخدمي الانترنت كان من المشاركين في نقل أخبار الثورات والتحفيز على النزول إلى الشارع وأنهم هم من كانوا وراء الثورات. ذلك لا يجعل عددهم يتخطى ثلث مستخدمي الانترنت. وأعتذر عن عدم توفر أرقام دقيقة، وأن هذه التخمينات مجرّد تحليلات.

 

أنا لا أنكر دور هذه المجموعة في نجاح الثورات. فهذه المجموعة من مستخدمي الانترنت اهتمت بنشر صور القمع، وصور المظاهرات، في بلاد لا تملك سوى إعلام "البلد بألف خير". وبالتالي، كان دورهم مهم جداً لنقل الخبر، ولإشراك المجتمع الدولي بقضيتهم. لكن، مع احترامي للانترنتجية، الثورة لم تكن ثورة 2.0 لأنهم هم من أداروا الثورات عبر الانرنت. فمحمد بوعزيزي لم يعلن على تويتر أنه سيحرق نفسه أمام دار الولاية وأنه سيولّع البلد بجسده. الثورة، ثورة 2.0، لأن الثوار أدركوا أهمية استخدام الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعية كحماية لهم من القمع. للأسف في سوريا لا تدور الأمور بهذا المنطق.

 

لكن لنعد إلى تونس وخيبة الأمل من فوز النهضة بنسبة 41% . وهنا أستطرد فلسفياً: خيبات الأمل تعبّر عادة عن مواجهة الواقع البعيد عن الحقيقة التي توقّعنا وجودها. لا أعرف إن كان فعلياً فوز النهضة بهذه النسبة مفاجأة حقيقية لمجتمع بمعظمه محافظ. فأنا لا أدّعي أنني ضليعة بالشؤون التونسية الداخلية. لكن بالنسبة للعديد من المراقبين خارج تونس، فوز النهضة أمرٌ مبرر من نواحٍ متعددة. فاليسار بالنسبة للبعض هو بن علي، والعلمنة هي النظام السابق. ولمن ينتخب بعمق أكبر، فالنهضة كانت المعارضة المسجونة والمنفية وبالتالي المعارضة "الحقيقية" في بلاد مقارنة بالمعارضة التي لم تسجن وكانت موجودة في عهد النظام السابق وبالتالي عليها علامات استفهام حول بعدها "الحقيقي" عن النظام السابق. وبذلك بقي المحافظون في تونس بين الشيوعيين والنهضة. النهضة الذي اتخذ من النساء ممثلين له، نساء غير محجبات، فظهر بمظهر التونسي العادي، المعتدل الدين، البعيد عن فرض الشريعة الاسلامية كقانون للبلاد لا وفقاً للمثل السعودي ولا المثل الإيراني. 

 

في حين ركّز جزء من العلمانيين جهودهم الانتخابية حول شطب دين الاسلام كدين الدولة، وبشعارات تعبر عن المخاوف حول حريات النساء إذا ما فاز الإسلاميون، فنسوا أن يقدموا للناخبين مشروعهم الانتخابي.

 

هي مجموعة من العوامل طبعاً، هناك أسباب أعمق، ولييس هدفي هو تحليل فوز النهضة تحليلاً علمياً. بل هدفي هو فقط طرح ما لفت انتباهي في الانتخابات التونسية: هذه المفاجأة بنتائج ما بعد الثورة، وكأن الثورة عصاً سحرية تغيّر المجتمعات بين ليلة وضحاها. هذه الردود الفعل التونسية الأعنف من ردود الفعل الدولية وهذا الخوف، وكأن الاسلامي كائن فضائي نزل بالمظلة على مجتمعاتنا العربية. هذا الخوف قد يكون في محله، وقد يكون مبالغاً، ولكن جلّ ما أرى فيه، هو إيمان بخطابات النظام السابق: "أنا، و من بعدي الإسلاميين" على نفس وزن مقولة لويس الرابع عشر "ومن بعدي الطوفان".. 

Comments or opinions expressed on this blog are those of the individual contributors only, and do not necessarily represent the views of FRANCE 24. The content on this blog is provided on an "as-is" basis. FRANCE 24 is not liable for any damages whatsoever arising out of the content or use of this blog.
6 Comments
الشعب التونسي لم ينتخب النهضة بل جزء منه فقط راهن على التهضة وفيهم من ندم بعد ما رآه من تصرفاتهم لقد صوت 1.500.000 مواطن للنهضة فحصلت على 79 مقعدا بالمقابل 1.500.000 ضاعت دون الحصول ولو على مقعد واحد النهضة فازت والشعب قبل النتيجة ولكنها لمت تكن في مستوى الحكم وا تفعله في تونس اليوم أقرب منه إلى التخبط والعشوائية وبعد أن أحسوا بضجر المواطنين منهم عادوا لمنطق الجماعة فأصبح الإستاذ قائد السبسي قائد الثورة المضادة وصاروا يبتزون الشعب بكل فئاته من إعلاميين ومثقفين وفنانين وسياسيين وقضاة ومحامين بوالمقابل نرى تشجيعا على الناطقين باسم الدين أصحاب شهادات الملكية في الإسلام الكل يرى أنها تعيد نفس أساليب النظام السابق ولكن مع فرق وحيد في السابق كانوا يتقنون ما يفعلونه أما هؤلاء فيريدون تركيز نظام المرشد الأعلى بأي طريقة أين المحاسبة؟ وأين احترام المؤسسات والقانون؟ وأين العدالة في الإنتداب؟ وأين احترام الرأي المخالف؟وأين سلطة الدولة؟ وأين استقلالية القضاء؟ وأين حياد الإدارة؟ وأين احتلاام الدول الشقيقة والصديقة؟ وأين المواطن ومشاغله من كل مايفعلون؟ في حين يذوق المواطن الأمرين يوميا من ارتفاع الأسعار وتجار السوق السوداء وانقطاع الماء والكهرباء وحرارة الطقس وتراكم الأوساخ يتباهى أعضاء النهضة بمؤتمرهم وباستقبال خالد مشعل خبز-حرية-كرامة وطنية كلن شعار من نزل للشوارع وهتف ضد النظام فهل حصل على ذلك؟ قطعا لا فقد باعوه أوهاما واليوم صاروا يتحدثون باسم "الثورة" بعد ان تملكوا الدين وصاروا وكلاءللإسلام. الشعب التونسي بأغلبيته المسلمة وبمواطنيه المسيحيين واليهود وبكل فئاته معتدل ولا يحتاج إلى مرشد أو مشايخ فتوى, الشعب يريد العدالة الإجتماعية ويريد العدل ويريد الأمن ويريد النظام ويريد العمل لضمان كرامته ويريد الحرية ويريد دولة المؤسسات والقانون فعلا لا شعارا يردد وهو ما لم توفره النهضة التي تبحث عن البقاء في الحكم ولو بقاون يشرع الميز العنصري ولو بترهيب المناوئين ولكم فيما يقوله أعضاؤها عن السادة نجيب الشابي وأحمد إبراهيم وحمة الهمامي وأحمد الإينوبلي وشكري بالعيد وكل من دافع عنهم سابقا خير مثال. أنظروا ما نعلته وتفعله بالإتحاد العام التونسي للشغل؟ المنظمة الشريكة في الكفاح الوطني وفي بناء تونس ترمى مقراتها بالزبالة ويجرم منتسبوه وتحرق مقراته وتستباح في ظل صمت حكومي مريب. لقد دمروا كل شيئ والدولة تكاد تنعدم والكل مستاء ومتشائم من المستقبل غذا ما استمر الوضع على ماهو عليه
مع تحياتي للآنسة روعة أنا سوري ولكن لست مع ما يسمونها ثورة نحن بسوريا يختلف واقعنا عن باقي الدول العربية وثوراتها في البداية كنًا أغلبية السوريين مع الثورة والتغير إن لم يكن بالعمل كان أبسط الأمور بالدعاء ولكن مع مرور الأيام للأسف كل شيئ تبخر كل أمل بالثورة الحقيقية ذهب مع الرياح ليس هناك ثوار ولكن هنا من ركب الموجة وبدأ بإقتناص الفرص الأمن مشغول بملاحقة المسلحين وتفكيك العبوات الناسفة وقد إنتشر ما يمسي نفسه جيش سوريا الحر جيش مؤلف من بلطجية ملثمين يقومون بتشليح المارة وفرض الأتاوة و سلب بإسم الثورة كنا لا نخشى السفر بالليل ولا النهار الآن لا نلعلم هل سنصل لبلدنا ام لا هل سيعترضنا المسلحون {عصابات التشليح ] لا ندري إنهم يقودون البلد للخراب لا يريدون التغيير يريدون إسقاط الدولة كمؤسسات فهم ضد النظام إنهم مع الفوضة الفوضة الخلاقة كما أسمتها كندليزا رايز لإاي ثوره يتحدثون عنها ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
مقالة جميلة فعلا ،، وهذا مايحدث الان في الدول التي تعرضت للثورات والتي اراها عبارة عن نظام مستبد اخر ، وخابت امال الناس بها وكانهم كانوا يتوقعون ان الحكام الجدد هم ملائكة منزلين من عند اعجبت جدا بكلماتك ولا اعلم ان كان هناك طريقة للتواصل وتشارك بعض المقالات فسأكون ممتننا جدا
الواقع منهج تركيا ليس قبلة لكل الشعوب العربية الثائرة، والكل ينعى همة ويلعن التجربة السابقة، تونس الإسلاميين كانوا مقصيين عن العمل السياسي بتاتاً مثل سوريا والعراق سابقاً، في مصر الإسلاميين كانوا يمارسون العمل السياسي كمعارضين مستقلين بالبرلمان وأحيانا كثيرة ما كانوا يداهنون النظام بالموافقة على قوانين تعارض توجهاتهم وهذا ما يجعل الشعب يتوجس منهم خيفة حتى الآن، في السودان النظام الحاكم إسلامي لكنه عند اتفاقية السلام مع الجنوب غير بند الدستور الأساسي والذي يتعلق بالشريعة الإسلامية بأن لا تطبق على الجنوبين "في الشمال والجنوب" وهذا يستدعي سؤال إذا لماذا كنت تقاتل إليس لتطبيق الشريعة؟!... ثم الآن يشرع في الدستور الجديد بأن الإسلام ليس وحده مصدر التشريع.. وهذه نتائج حكم إسلامي يحكم السودان أكثر من 20 سنة فياترى الأنظمة الإسلامية في الدول العربية الباقية التي تسعى للحكم ماذا ستنتج لنا سوى الدين والشريعة للوصول للحكم ثم بعد ذلك يبدلوه كيفما شاءوا مثل آبائهم في الفعل السودانيين.
ما فوز النهضة الإسلامي سوى شغف بتجربة جديدة بعد أن حبطت كل التجارب السابقة، سمعت حوار قائدها راشد الغنوشي كاملا، وأستبشر به خيرا، برنامجهم مقنع جدا ومقنن، وهذا ما افتقدته باقي الأحزاب.. قد تكون فرصة لتونس الشقيقة لتسير على نهج النموذج التركي الإسلامي العلماني في ان واحد، فربما به ستبرز تونس على الساحة الدولية كما برزت تركيا.. تحية لقلمك المبدع
Pourvu que les droits de la femme ne vont pas être bafoués, le peuple s'est révolté pour la liberté et la dignité, les nahdaouis devraient reconnaître la laicité, et qu'ils ne pratiqueraient pas la politique policière pour savoir qui fait ramadan ou qui ne fait pas si une telle est vierge ou pas jusqu'à même guetter les livres qu'on lit sinon on n'est pas sorti de l'auberge car on a marre des idées extrémistes quelles qu'elles soient peut-être n'est il pas sage que chacun apprend à écouter l'autre. les femmes ont tant besoin qu'on les écoute et non qu'on les marginalise

Post new comment

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.
  • No HTML tags allowed

More information about formatting options

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.