من عبر الانتخابات التشريعية المغربية

من عبر الانتخابات التشريعية المغربية
مصطفى الطوسة
       
في قراءة أولية لهذه النتائج يبدو واضحا ان الناخب المغربي لم يعاقب حزب العدالة والتنمية الاسلامي المتواجد في السلطة منذ خمس سنوات. وذلك لسببين متناقضين. الاول ان هذا الناخب مرتاح من الأداء الحكومي لعبد الاله بن كيران ومن حصيلته الاقتصادية والاجتماعية. اما السبب الثاني فربما نجده في قناعة هذا الناخب ان حزب العدالة والتنمية الذي حكم في إطار تحالف جمع حزب التجمع الوطني للأحرار بقيادة صلاح الدين مزوار التقدم والاشتراكية بقيادة نبيل بن عبد الله ليس مسئولا عن النواقص والفشل والهفوات التي وقعت فيها ولايته وأدت الى غضب شعبي عارم تم التعبير عنه خلال عدة تظاهرات شعبية.  حتى الفضائح الاخلاقية والجنسية التي طالت بعض القيادات الاسلامية لم يكن لها تأثير كبير على خيارات الناخب المغربي. 

إذن نتائج تعكس عدم عتاب وارتياح للحصيلة. في المقابل الاختراق الذي حققه حزب الاصالة والمعاصرة بقيادة الياس العمري اثار انتباه المراقبين كون هذا الحزب حديث العهد واستطاع ان يفرض نفسه في المشهد السياسي المغربي كقوة تجسد تيار العصرنة لمواجهة الأيديولوجيات المحافظة. اما العبرة الثالثة التي يمكن ان تستخلصها وهي انهيار اليسار التقليدي الذي كان يجسده الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بزعامة ادريس لشكر. كل ذلك أسس لقطبية مزدوجة للحياة السياسية المغربية بين قوى محافظة متدينة وا أخرى حداثية تميل الى النموذج العلماني.

المفاجأة جاءت من تواجد اعتقاد قوي لدى الأوساط السياسية المغربية قبل اندلاع حملة الانتخابات من ان لدى الشارع السياسي المغربي نية وعزم على معاقبة عبد الاله بن كيران وحزبه بسبب الهفوات والتناقضات التي ميزت وجودهم في الحكومة وبسبب ما يسمى باستنفاد ممارسة السلطة التي يعاني منها كل حزب طال حكمه. لكن تبين بعد انه بالرغم من ذلك استطاع حزب العدالة والتنمية ان يجند قاعدته الانتخابية وان يبقي شعلة التفاؤل في صفوفه متقدة بآمال التغيير

التحدي الكبير الذي يطرح حاليا على حزب العدالة والتنمية هو كيفية التوصل الى تحالفات حزبية لتكوين أغلبية برلمانية وحكومة قادرة بالقيام بمهامها. ففي حال جدد الملك محمد السادس تكليفه لعبد الاله بن كيران مهمته تشكيل الحكومة ...هل سيلجأ الى نفس الوصفة السياسية التي سمحت له بالبقاء في السلطة عبر التحالف مع حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب التقدم والاشتراكية؟ ام سيغير طبيعة حلفائه ويقترح التحالف مع حزب الاستقلال بزعامة حميد شباط. معروف ان حزب الاصالة والمعاصرة الذي حصل   على المرتبة الثانية رفض الدخول في تحالف مع حزب العدالة والتنمية الاسلامي وانه سيقوم في حال شكل بن كيران حكومة ثانية بدور المعارضة.

بشكل عام جرت هذه الانتخابات في ظروف طبيعية وعادية مع حياد تام لوزارة الداخلية كما يؤكد ذلك المراقبون الدوليون الذين تابعوا سير هذه الانتخابات. و يمكن ان نستخلص من هذه التجربة الانتخابية الثانية منذ تنزيل دستور عالم الفين و احد عشر الذي ولد في خضم ارهاصات الربيع العربي ..هذه التجربة تعكس نضج النموذج الديموقراطي المغربي وحيويته ..حتى وان كان البعض يتمنى ان تؤسس هذه التجربة الثانية لعملية تداول سلمي و سياسي على السلطة على شاكلة ما يقع في اعرق الديموقراطيات الغربية
Comments or opinions expressed on this blog are those of the individual contributors only, and do not necessarily represent the views of FRANCE 24. The content on this blog is provided on an "as-is" basis. FRANCE 24 is not liable for any damages whatsoever arising out of the content or use of this blog.
0 Comments

Post new comment

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.
  • No HTML tags allowed

More information about formatting options

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.