القرار الذي ينتظر فرانسوا هولاند

القرار  الذي ينتظر فرانسوا هولاند
مصطفى الطوسة 
يعيش نبض الحياة السياسية الفرنسية على وقع حدث فريد من نوعه، يلخص انتظاراتها و يحدد اتجاهاتها. هذا الحدث يدور حول قرار الرئيس فرانسوا هولاند المنتهية ولايته بتقديم ترشيح لطلب ولاية ثانية ام العدول عن ذلك و ترك مكانه لشخصية يسارية مختلقة تخوض غمار السباق الرئاسي. لحد للساعة لم تنجل الغيوم المحيطة بهذه القرار التاريخي. ماهو معروف حتى الان أن  الرئيس هولاند ألتزم بالاعلان قراره قبل نهاية السنة، خلال شهر دسمبر المقبل. و ماهو معروف ايضا ان هناك داخل عائلة  اليسار الفرنسي تيارين أساسين يطالبان  من فرنسوا هولاند اتخاذ قرارات وخيارات متناقضة تماما.

التيار الاول مكون من أصدقاء الرئيس هولاند. يريده ان يتقدم الى ولاية ثانية و ان يطلب من جديد ثقة الفرنسيين. هذا التيار تشكل عموده الفقري شخصيات حكومية التي تنظر الى حصيلة الأداء السياسي لفرانسوا هولاند على انها إيجابية و انها تستحق مراهنة الفرنسيين عليها ومنحها الوقت لتحقيق المزيد من الإنجازات. المصفقون لفرانسوا هولاند يذكرون بخطوته الحاسمة في خوض حربين على الساحة الأفريقيية ضد الاٍرهاب الأولى في مالي و الثانية في افريقيا الوسطي لتجنيب المنطقة ويلات الفوضى و الحروب الأهلية عبر استيلاء قواة متطرفة على الحكم و ثالثة تجري رحاها حاليا في الشرق الأوسط.  تهدف الى القضاء على تنظيم الدولة الأسلامية الاٍرهابي .المهللون لفرانسوا هولاند يعيدون الى الذاكرة كيف استطاع الرئيس الحالي إدارة الأزمة الحادة التي انتابت المجتمع الفرنسي بعدما تعرض لهجمات ارهابية ربما الأعنف في حياته منذ الحرب العالمية الثانية و بعدها حرب الجزائر و يذكرون كيف ان الرجل استطاع اتخاذ القرارات والمواقف الضرورية لطمأنة الرأي العام الفرنسي الخائف من الاٍرهاب و الحفاظ على توازناته العامة و وحد الكلمات الضرورية لمنعه من الانهيار والسقوط في نوبات متطرفة. المشجعون لهولاند يتحدثون عن الإصلاحات البنيوية التي حاول تحقيقها لضمان أمن و استقرار الفرنسيين سواء على مستوى المنظومة الاستخباراتية اللأمنية المحضة  لمحاربة الاٍرهاب ام على مستوى  إعادة هيكلة الاقتصاد  الفرنسي في محاولة لإنعاشه و تحرير طاقته.

التيار الثاني المعارض لفرانسوا هولاند يقف في الضفة المناهضة له. يجسد هذا التيار ماسمي اعلاميا باليسار الغاضب اوالساخط ... من بين رموزه أرنو مونتبور و بونوا هامون ...يعيب هذا التيار على فرنسوا هولاند انه تنصل من معظم وعوده الانتخابية التي ربح على اثرها معركته الرئاسية ضد نيكولا ساركوزي عام ألفين و اثناعشر. ينتقد هذا التيار هولاند بعنف لانه يتهمه بخذلان الفرنسيين و باتباع سياسة يمينية تهدد مكاسبهم الاجتماعية و تدخلهم في عالم اللبيرالية العشواء المليئة بالمخاطر و المغامرات الاجتماعية. يطلب هذا التيار من فرانسوا هولاند النتحي من منصب مرشح اليسار الى الانتخابات الرئاسية المقبلة من منطلق ان الفرنسيين و خصوصا ما يعرف تاريخيا بشعب اليسار لن يمنح فرنسوا هولاند ثقته من جديد وأن معركة رئاسية يخوضها هولاند ستكون  حتميتها الخسارة المدوية وان ذلك سيفتح الطريق أمام عودة اليمين الى السلطة.

وفي انتظار ان يكشف هولاند عن قراره النهائي هناك عدة شخصيات محسوبة عن اليسار الحاكم  وضعت نفسها في موقف المتربص المستعد للانطلاق في حال تخلى هولاند عن حلم الولاية الثانية. من بين هته الشخصيات نجد  إيمانويل ماكرون . شخصية  تحت الاضواء خرجت مؤخرا من التشكيلة الحكومية لبلورة مشروعها الانتخابي . شخصية تحدت الرئيس هولاند و يتهمها مقربون من قصر الاليزي بالخيانة السياسية. وفي المقابل  نجد ايضا رئيس الحكومة مانويل فالس الذي يعيش حاليا تناقضا حادا. فهو يعيش نوعا من التمزق بين حالتين . الأولى التعبير عن وفائه  و تضامنه و دعمه للرئيس هولاند و الثانية الإفصاح عن خطته بخوض المعركة الرئاسية في حال قرر هولاند عدم الترشح لولاية ثانية. وفي اخر خرجاته الإعلامية برز بطريقة واضحة هذا التناقض الذي يعيشه رئيس الحكومة مانويل فالس بين وفائه المفروض للرئيس هولاند و طموحه الشرعي بالمشاركة في السباق الرئاسي المقبل.

في كل مناسبة يقوله الرئيس هولاند. لن يكشف عن نواياه قبل الموعد المحدد. وإذا كانت كل المؤشرات تقول ان سيغطس مرة اخرى في بحيرة الانتخابات الرئاسية عبر المشاركة في الانتخابات التمهيدية للحزب المقرر عقده في شهر يناير المقبل فان هناك من يراهن على ان هولاند ستراجع في اخر لحظة و يترك الطريق لمنافسيه في اليسار الحاكم و المعارض. الحاملون لهذه الفرضية يقولون ان استطلاعات الرأي التي تظهر. بقوة غيرة مسبوقة رفض الفرنسيين لشخص فرنسوا هولاند ستكون حاسمة في أخذ القرار النهائي. و يؤكدون هذه الفرضية بجملة قالها هولاند في الأيام الاخيرة مفادها انه لن يشارك في السباق الرئاسي  الم يكن متأكدا من ربحه. مثل هذه المواقف الغامضة تزيد من سماكة عنصر التشويق الذي يطبع حاليا المشهد الانتخابي الفرنسي و الذي يجعل معظم القوى المشاركة في المعركة تعيد النظر في حساباتها و استراتيجيتها على ضوء القرار الذي سيتخذه سيد قصر الاليزي
Comments or opinions expressed on this blog are those of the individual contributors only, and do not necessarily represent the views of FRANCE 24. The content on this blog is provided on an "as-is" basis. FRANCE 24 is not liable for any damages whatsoever arising out of the content or use of this blog.
0 Comments

Post new comment

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.
  • No HTML tags allowed

More information about formatting options

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.